

مستشار مالي و شرعي و أستاذ مشارك الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة سابقا, له مؤلفات و مساهمات
الوقف هو الصدقة الجارية أي المستمرة في عينها وأجرها، بعد رحيل الواقف من الدنيا، وفي الفقه هو حبس للأصول المالية والمعنوية المنتجة للمنافع والثروات، والتصدق بمنافع الوقف وغلاله، على القرابة واصحاب الحاجات، ابتغاء الأجر والمثوبة من الله تعالى. والوقف نظام من الأنظمة الاقتصادية الاجتماعية التي تميزت بها الأمة الإسلامية، منذ عصر النبوة الخاتمة على صاحبها سيدنا محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم. ولكي يكون للوقف المكانة المؤسسية داخل الدولة والمجتمع، فإن له شخصية اعتبارية مستقلة، تتمتع بكل ما للشخصية الاعتبارية من حقوق وما عليها من التزامات، بحكم الشريعة والنظام والقانون. ونصت المادة 17 من نظام المعاملات المدنية السعودي الصادر عام 1445هـ على الشخصيات الاعتبارية في الدولة وعدت منها الأوقاف. وتتميز هذه الشخصية الاعتبارية للوقف، عن غيرها من الشخصيات الإعتبارية الخيرية، بامتيازات عديدة، من أهمها أن وقف أو حبس الأصول يعني التنازل عن ملكيتها إلى ملك الله تعالى، وتعيين من يتولى إدارتها أو النظارة عليها، لتنفيذ شروط الواقف، من الحفظ، والرعاية والحماية، والتنمية، وتوزيع المنافع على من شرطهم الواقف في وثيقة الوقف.
ومن مميزات الوقف أن طبيعة ملكيته تتيح للواقف طريقا مستداما في حياته وبعد موته، أن يتعبد الله تعالى بوقفه الأموال في سبيل الله عز وجل، كما تحتم على من يتولى نظارته، أن يحترم حقوقه، ودوره، ويحيطه بكل معاني التشريف، والمسؤولية العميقة، والدعم المتواصل، وينعكس ذلك على حماية أصوله من التعدي، ومن التعثر، ومن الانقطاع عن انتاج المنافع والغلال.
ومن ثمار الوقف إشاعة الرحمة والتكافل وأداء المسؤولية الاجتماعية والترابط العضوي بين الاستثمار، وبين مقاصد الوقف ببقاء العين، ودوام المنفعة، ودعم المجتمع المدني، وتمكين الدولة من توجيه النفع العام وتنظيمه، بالإشراف والرقابة الإشرافية، والمحافظة على المكتسبات التأريخية للأوقاف على مدار تأريخ الأمة المسلمة، تعزيزا للانتماء الحضاري.
وبالوقف كذلك يتم تحقيق المقاصد الشرعية لحفظ المال في الإسلام، كضرورة خامسة خادمة لكل الضرورات أو الكليات التي أجمعت عليها الأمة، وهي حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل. وكل تطبيقات الأوقاف موجهة لحفظ الدين ( وقف المساجد، وقف القرآن والسنة، والعلوم الشرعية)، وحفظ النفس ( وقف المستشفيات) ، وحفظ العقل ( الوقف التعليمي)، وحفظ النسل ( وقف الأسرة، والأيتام، والمطلقات)، وسبل الخير إلى كل ذلك كثيرة يصعب احصاؤها.
في ظل هذه المعطيات الهادفة والموجهة والثرية بمعانيها، تأسس وقف سبل الخير، في مدينة جدة، بالمملكة العربية السعودية، للمساهمة في الجهود العظيمة التي تتم في اقتصاد وطننا العزيز، ذي المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر. ونسأل الله تعالى التوفيق والعون، وأن يكون “وقف سبل الخير” لبنة من لبنات الأوقاف، الصالحة، النافعة، الحريصة على الأموال المؤتمنة عليها، والمحافظة على مقاصدها الخيرية العديدة.